يوسفيات

2

هذه نقاط مختصرة من فوائد تفسير سورة يوسف عليه السلام

تشتمل على كثير من الاضاءات التربوية

📚 التفسير المحرر-الدرر السنية

📖 ٣٧٣ صفحة

قال الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

🖊️ – لأنَّ لغة العرب أفضحُ اللُّغات وأبينها وأوسَعُها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس؛ فلهذا أُنزِلَ أشرفُ الكُتُب بأشرَفِ اللُّغَاتِ، على أشرف الرُّسُل، بسفارة أشرَفِ الملائكة، وكان ذلك في أشرَفِ بِقاعِ الأَرضِ، وابتُدئَ إنزاله في أشرف شُهورِ السَّنة، وهو رمضان، فكملَ مِن كُلِّ الوجوه.

🖊️- ذكر الله أقاصيص الأنبياء في القُرآنِ وكرَّرَها بمعنى واحد في وجوه مختلفة، بألفاظ مُتباينة على درجاتِ البلاغة، وقد ذكرَ قِصَّةً يُوسُفَ ولم يكرِّرْها، فلم يَقدِرْ مُخالِفٌ على مُعارضة ما تكرّر، ولا على مُعارضة غيرِ المُتكَرّر، والإعجاز لمن تأمل.

قول الله تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ}

🖊️-  فيه مُناسَبَةٌ حَسَنَةٌ، حيث قال هنا {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} ، وفي سُورةِ (يُونُسَ) وسُورة (لقمان) قال: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ }؛ فَوَصَفَ الكِتابَ في سُورةِ (يُوسُف) {بالمبين}، وفي السُّورتَينِ{ بالحَكيم}؛ ووجه ذلك: أَنَّ ذِكْرَ وَصْفِ إبانتِه هنا أنسَب؛ إذ كانت القِصَّةُ التي تَضَمَّتَتها هذه السُّورَةُ مُفصلةً مُبيِّنةً لأهم ما جَرَى في مدَّةِ يوسُفَ عليه السَّلامُ بمِصْرَ ؛ فسورةُ (يُوسُفَ) عليه السَّلامُ لم تنطوِ على غيرِ قِصَّتِه وبَسْطِ التعريف بقضيَّتِه، وبيان ما جرى له مع أبيه وإخوته، وامتحانه وتخلصه بسابق اصطفائه مما كيد به، وجَمْعِه بأخيه، ثُمَّ بأبيه وإخوته؛ فلهذا أُتبع الكتابُ بالوصفِ بـ الْمُبِينِ ، وأَمَّا سُورتا (يُونُسَ) و (لقمان) فقدْ تَردَّد فيهما من الآياتِ المُعتبَر بها، المطلعة على عظيم حكمته تعالى وإتقانه للأشياء ما لم يَرِدْ في سُورةِ (يُوسُفَ)، كخَلْقِ السَّمواتِ والأرضِ، وجَعْل الشَّمسِ ضِياءً والقَمَرِ نُورًا، واختلافِ اللَّيلِ والنَّهارِ..الخ

في قولُ الله تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا }

🖊️-في خطاب يعقوبَ ليُوسُفَ تنهيةٌ عن أن يقُصَّ على إخوته – مَخافةَ كيدهم – دلالة على تحذيرِ المُسلِم أخاه المُسلِمَ مِمَّن يخافه عليه، والتَّنبيه على بعض ما لا يليق، ولا يكون ذلك داخلا في باب الغيبة.

🖊️- ينبغي البعد عن أسبابِ الشَّرِّ، وكتمانُ ما تُخشى مضَرَّتُه؛ لقول يعقوب ليوسفَ : يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ، ففيه الحث على التحرُّزِ ممَّا يُخشَى ضُرُّه؛ فالإنسانُ مأمور بالاحتراز، فإن نفَعَ فذاك، والا لم يَلُمِ العبدُ نَفسَه.

🖊️- يدلُّ على جواز ترك إظهارِ النَّعمةِ لِمَن يُخشَى منه حَسَدٌ ومَكرُ، فليس للمحسودِ أَسلَمُ مِن إخفاء نعمتِه عن ا الحاسد.

🖊️- فيه حكم بالعادةِ أنَّ الإخوة والقرابةَ يَحسُدُونَ .

🖊️- في الآية دليل على أنَّ الرُّؤيا لا تُقَصُّ على غيرِ شَفيق ولا ناصح، ولا على امري لا يُحسِنُ التَّأْوِيلَ فيها.

🖊️- من الحزم إذا أراد العَبدُ فِعلا مِن الأفعال أن يَنظُرَ إِليه مِن جَميع نواحيه، ويُقَدِّرَ كُلَّ احتمال مُمكن، وأنَّ الاحتراز بسُوءِ الظَّنِّ لَا يَضُرُّ إِذا لم يُحقَّق، بل يُحترَزُ مِن كُلِّ احتمال يُخشى ضَرَرُه ، ولو تضَمَّنَ ظَنَّ السُّوءِ بالغَير، إذا كانت القرائن تدل عليه وتقتضيه، كما في قوله تعالى: يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى تَدُلُّ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ، وكما قَوِيَت القرائِنُ في قوله: ﴿ قَالَ هَلْ آمَنْكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ ﴾؛ فإنه سبق لهم في أخيه ما سبق، فلا يلامُ يعقوبُ إِذا ظَنَّ بهم هذا الظَّنَّ، وإن كانوا في الأخ الأخير لم يَجرِ منهم تفريط ولا تَعَدٌ.

🖊️ – إِنَّ نِعمة الله على العبدِ نِعمةٌ على من يتعلَّق به من أهلِ بَيْتِه وأقاربه وأصحابه، وأنَّه رُبَّما شَمِلَتهم، وحصل لهم ما حصل بسَبَبِه، كما قال يعقوب في تفسيره لرؤيا يوسُفَ : وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ ، ولَمَّا تمَّت النِّعمةُ على يوسُفَ، حصل لآل يعقوبَ مِن العِزّ والتَّمكين في الأرضِ ، والسُّرورِ والغبطة ما حصلَ بسَبَبِ يوسف.

في قَولُ الله تعالى: {كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ}

🖊️- فِيهِ دَلالة على أنَّ الجَدَّ أب؛ لأنَّ إسحاق جدُّ يوسفَ، وإبراهيمَ جدُّ أبيه.

في قوله: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ}

🖊️- واقع موقعَ التَّعليل للنهي . قص الرُّؤيا على إخوته، وعداوَةُ الشَّيطان لجنس الإنسانِ تحمله على أَنْ يَدْفَعَهم إلى إضرار بعضهم ببعض .

 في قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}

🖊️- عطَف هذا الكَلامَ على تحذيرِه مِن قَصِّ الرُّؤيا على إخوته؛ إعلامًا له بعلو قدره، ومستقبلِ كَمالِه؛ كي يَزِيدَ تَمَلَّيَّا مِن سُموّ الأَخلاقِ؛ فيتّسع صدره لاحتمال أذَى إخوته، وصفحًا عن غيرتهم منه، وحسدهم إيَّاه؛ ليتمحض تحذيره للصَّلاحِ ، وتَنتفي عنه مفسدة إثارة البغضاء ونحوها، حِكْمةً نبوية عظيمةً، وطِبًا رُوحانيَّا ناجعا.

 في قوله تعالى: (إِذْ قالوا ليُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِين}

🖊️- لَمَّا حَسَدوا يوسف على تقديم أبيهم له، لم يرضَ – سُبحانه – حتى أقامهم بين يدي يوسُفَ عليه السَّلامُ، وخرُّوا له سُجَّدًا؛ ليعلموا أَنَّ الحَسُود لا يَسُود، ويُقال: أطوَلُ النَّاسِ حُزنًا مَن لاقى النَّاس عن مرارة، وأراد تأخير من قدَّمه الله أو تقديمَ مَن أخَره الله؛ فإخوة يوسف – عليه السلام- أرادوا أن يجعلوه في أسفَلِ الجُبِّ، فَرَفَعَه اللهُ فوقَ السَّرِيرِ.

🖊️- يدلّ على عدمِ نُبُوَّةِ إخوة يوسفَ، ولم يقُمْ دَليلٌ على نبُوَّتهم، ومِن النَّاسِ مَن يَزِعُمُ أَنَّهُم أُوحِيَ إليهم بعد ذلك، وفي هذا نظر

في قول الله تعالى: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ}

🖊️- في هذا دليل على أنَّ توبةَ القاتل مقبولةٌ؛ لأنَّ الله تعالى لم ينكر هذا القولَ منهم

في قول الله تعالى: { لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ}

🖊️- قوله: {آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} فيه جمعُ الآيات، وهو هنا مُراعى فيه تَعدُّدُها، وتعدد أنواعها؛ ففي قصَّةِ يوسُفَ عليه السَّلامُ دَلائل على ما للصَّبرِ وحُسنِ الطَّوِيَّةِ مِن عواقب الخيرِ والنَّصرِ ، أو على ما للحسَدِ والإضرار بالنَّاسِ مِن الخيبة و الاندحار و الهبوط.

قول الله تعالى: {قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ}

🖊️- {قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ}  إِنَّمَا ذَكَرَ يعقوب عليه السَّلَامُ أَنَّ ذَهَابَهم به غدًا يُحدِثُ به حُزنًا مُستقبلًا؛ ليصرفهم عن الإلحاح في طلب الخروج به؛ لأنَّ شأن الابن البار أن يَتَّقِيَ مَا يَحْزُنُ أَباه

🖊️- قيل : قد صدَّقَت هذه القِصَّةُ المَثَلَ السَّائرَ، وهو قولهم: (البَلاءُ مُوكَّلٌ بالمَنطِقِ)؛ فإنَّ يعقوب عليه السَّلامُ قال في حقِّ يُوسُفَ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذَّنْبُ ، فابْتُلِيَ مِن ناحية هذا القول؛ لأنَّهم لم يَعْتَلُوا على أبيهم إلا بالشيء نفسه الذي سمعوه يَنطِقُ به، لا غيره.

🖊️- قال الله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ* وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}

🖊️- الحَذَرُ مِن شُوْمِ الذُّنوبِ، وأنَّ الذَّنب الواحِدَ يستتبع ذنوبًا متعدّدةً، ولا يتم لفاعله إلا بعدة جرائم؛ فإخوة يوسُفَ عليه السَّلامُ لَمَّا أرادوا التَّفريق بينه وبين أبيه، احتالوا لذلك بأنواع من الحِيَل، وكذبوا عدَّةَ مرَّاتٍ، وزوّروا على أبيهم في القميص والدَّمِ الذي فيه، وفي إتيانهم عشاء يبكون، ولا تَسْتَبْعِد أنَّه قد كثر البحث فيها في تلك المدة؛ بل لَعَلَّ ذلك اتصل إلى أن اجتمعوا بيُوسُفَ، وكُلَّما صار البَحْتُ، حَصَلَ مِن الإخبار بالكَذِب والافتراء ما حَصَل ، وهذا شُؤْم الذَّنْبِ، وآثاره التَّابِعَة والسَّابقة واللاحقة.

قول الله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتَبْتَهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}

🖊️- دلالة على أنه ليس كلُّ مَن أُوحِيَ إليه الوحي العام يكون نبيا؛ فإنَّه قد أُوحِيَ إلى يوسف وهو صغير ، كما أنَّه قد يُوحَى إلى غيرِ النَّاسِ؛ قال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ}

 قول الله تعالى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءَ يَبْكُونَ}

🖊️- إِنَّمَا جاؤوا عِشاء؛ كون أقدر على الاعتذار في الظُّلمةِ؛ ولذا قيل: لا تَطلب الحاجة بالليل؛ فإِنَّ بياء في العينين، ولا تعتَذِرُ في النَّهارِ مِن ذنب؛ فتتلجلج في الاعتذاره وأيضًا جاؤوا عِشاءً؛ ليكون إتْيانُهم مُتَأَخِّرًا عن عادَتِهم، وأتَوْا باكِين؛ ليكون بُكاؤُهم دَلِيلًا لهم، وقَرينَةً على صِدْقِهم.

قولُ الله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا}

 🖊️- فيه إعمالُ الأماراتِ والحُكمُ بها، والآيةُ أصلٌ في الحُكمِ بالقرائِنِ، لكنْ محَلُّ العمَلِ بالقَرينةِ ما لم تُعارِضْها قرينةٌ أقوى منها، فإن عارَضَتْها قرينةٌ أقوى منها أبطَلَتْها؛ فأولادُ يعقوبَ لَمَّا جعلوا يوسُفَ في غيابةِ الجُبِّ، جعلوا على قَميصِه دَمًا؛ ليكونَ وجودُ الدَّمِّ على قميصِه قَرينةً على صِدقِهم في دعواهم أنَّه أكَلَه الذِّئبُ، ولا شَكَّ أنَّ الدَّمَ قرينةٌ على افتِراسِ الذِّئبِ له، ولكِنَّ يعقوبَ أبطَلَ قَرينتَهم هذه بقرينةٍ أقوى منها، وهي عدَمُ شَقِّ القَميصِ؛ ولذا صَرَّحَ بتكذيبِه لهم في قَولِه: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ فيجِبُ على النَّاظِرِ أن يلحَظَ القرائِنَ والأماراتِ والعَلاماتِ إذا تعارَضَت، فما ترجَّحَ منها قضَى بجانِبِ التَّرجيحِ

🖊️- فيه أنَّ سُوءَ الظَّنِّ مع وجودِ القَرائنِ الدَّالَّةِ عليه غيرُ ممنوعٍ ولا محَرَّمٍ

قال الله تعالى حكايةً عن يعقوبَ: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}

🖊️- إنما فوَّض يعقوبُ- عليه السلام- الأمرَ إلى الله، ولم يسْعَ للكشفِ عن مصيرِ يوسفَ عليه السلامُ؛ لأنَّه علِم تعذرَ ذلك عليه؛ لكبرِ سنِّه، ولأنَّه لا عضدَ له يستعينُ به على أبنائِه أولئك، وقد صاروا هم الساعين في البعدِ بينَه وبينَ يوسفَ عليه السلامُ، فأيِس مِن استطاعةِ الكشفِ عن يوسفَ- عليه السلامُ- بدونِهم، ألا ترَى أنَّه لما وجَد منهم فرصةً قال لهم: {اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ  يوسف}

 قولِه تعالى : {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} مع قَولِه سُبحانه عنه: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ }

🖊️- أنَّ الشَّكوى إلى اللهِ لا تُنافي الصَّبرَ الجميلَ ، ذكَرَ اللهُ في القرآن: الصَّبرَ الجَميلَ، والصَّفحَ الجَميلَ، والهَجرَ الجَميلَ؛ فالصَّبرُ الجَميلُ: الذي لا شكوَى معه إلى المخلوقِ، والهَجرُ الجَميلُ: الذي لا أذى معه، والصَّفحُ الجَميلُ: الذي لا عِتابَ معه

قول الله تعالى: {وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}

🖊️- استنبط مِن هذه الآيةِ أحكامَ اللقيطِ؛ فأخذوا منها: أنَّ اللقيطَ يُؤخَذُ ولا يُتركُ. ومِن قولِه: هَذَا غُلَامٌ أنَّه كان صغيرًا، وأنَّ الالتقاطَ خاصٌّ به، فلا يُلتقَطُ الكبيرُ

في قول الله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَآتَيْنَهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}

🖊️- فى ذكر المحسنين إيماء إلى أن إحسانه هو سبَبُ جَزَائِه بتلك النِّعمة وأنَّ اللهَ آتاه الحُكْمَ والعِلمَ جَزاء على إحسانه لِكُونِه مُحسِنًا في أعماله مُتَّقِيًا في عُنفوانِ أَمْرِهِ؛ هَلْ جَزَاءُ الإحسانِ إِلَّا الإحسان.

في قوله تعالى: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}

🖊️- أَنَّ حِفْظَ الإحسانِ لِمَن أَحْسَنَ ، هو مِن أخلاقِ الأنبياء وذوي الفَضلِ.

🖊️- استعاذ أولا بالله الذي العصمة، ومَلكوتُ كلِّ شَيءٍ، ثمَّ نبّه على أنَّ إحسانَ اللهِ أو إحسان العزيزالذي سبقَ منه، لا يُناسِبُ أن يُجازَى بالإساءةِ، ثمَّ نفى الفلاحَ عن الظَّالِمينَ، وهو الظَّفَرُ والفَوزُ بالبُغْيةِ، فلا يناسِبُ أن أكونَ ظالِمًا أضَعُ الشَّيءَ غيرَ مَوضِعِه، وأتعدَّى ما حدَّه اللهُ تعالى لي.

🖊️- فيه إرشادٌ لها إلى رعايةِ حقِّ العزيزِ بألطَفِ وجْهٍ، وفيه تحذيرٌ لها مِن عقابِ اللهِ عزَّ وجلَّ.

🖊️- تدلُّ الآيةُ على لزومِ حُسنِ المكافأةِ بالجَميلِ، وأنَّ من أخلَّ بالمكافأةِ عليه، كان ظالِمًا.

🖊️- مِن رَحمةِ اللهِ تعالى بِعَبْدِهِ المُخلصِ أن يصرِفَ عنه ما يَغارُ عليه منه؛ كما قال تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ }

قول الله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ، وَهَمَ بِهَا لَوْلَا أَن رَّمَا بُرْهَانَ رَبِّهِ، كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}

🖊️- قال ابن جرير: (وأولى الأقوال في ذلك بالصَّوابِ أن يُقال: إِنَّ الله جَلَّ ثَنَاؤُه أَخبَر عن هُمُ يُوسُفَ وامرأةِ العَزيز كُلِّ واحدٍ منهما بصاحبه لولا أن رأى يُوسُفَ بُرْهَانَ رَبِّهِ، وذلكَ آيَةٌ مِن الله زَجَرَتْه عن رُكوب مَا هَمَّ به يُوسُف مِن الفاحِشَة، وجائِز أن تكون تلك الآيَةُ صُورَةَ يَعقوبَ، وجائز أن تكونَ صُورَةَ المَلَكِ، وجائِزٌ أن يكونَ الوَعِيد في الآيات التي ذَكَرَها اللهُ فِي القُرآن على الزِّنَى، ولا حُجَّةَ للعُذْرِ قاطِعَة بأَيِّ ذلك كان مِن أَيّ والصَّوابُ أن يُقال في ذلك ما قاله الله تبارك وتعالى، والإيمان به، وتَرْك ما عَدَا ذلك إلى عالِمِهِ)

🖊️- وقال ابن تيمية: (هو برهان الإيمان الذي حَصَل في قَلْبِهِ فَصَرَف الله به ما كان هَمَّ به)

في قولِه تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}

🖊️- حجةٌ في أنَّ تسميةَ المخلوقينَ بالسَّادة جائزٌ

في قوله تعالى: {قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي}

🖊️- حُجَّةٌ في إباحةِ الانتصارِ، ومقابلةِ الظَّالمِ بمِثلِ فِعلِه

قول الله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ}

🖊️-  قدَّمَ أمارةَ صِدقِها؛ لأنَّه ممَّا يُحبُّه سَيِّدُها، فهو في الظاهرِ اهتمامٌ بها، وفي الحقيقةِ تقريرٌ لِكَذِبها مرَّتينِ: الأُولَى باللُّزومِ، والثَّانية بالمُطابقة

 قولُ الله تعالى: {قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}

🖊️- وُصِفَ كَيدُ النِّساءِ بالعِظَم، وإن كان قد يُوجَدُ في الرِّجالِ؛ لأنهُنَّ ألطَفُ كَيدًا بما جُبِلنَ عليه، وبما تفرَّغنَ له، واكتسَبَ بعضُهنَّ مِن بَعضٍ، وهنَّ أنفَذُ حِيلةً

🖊️- تَعميمُ الخِطابِ للتَّنبيهِ على أنَّ ذلك خُلُقٌ لهنَّ عريقٌ

🖊️- كيف وُصِفَ كَيدُ النِّساءِ بالعَظيمِ مع قَولِه تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} وهلَّا كان مكرُ الرِّجالِ أعظمَ مِن مَكرِ النِّساءِ؟

الجوابُ: أمَّا كونُ الإنسانِ خُلِقَ ضَعيفًا فهو بالنِّسبةِ إلى خَلقِ ما هو أعظَمُ منه؛ كخَلقِ الملائكةِ، والسَّمواتِ والأرضِ، والجبالِ ونحو ذلك، وأمَّا عِظَمُ كَيدِ النِّساءِ ومَكرِهنَّ في هذا البابِ فهو أعظَمُ مِن كيدِ جَميعِ البشَرِ؛ لأنَّ لهنَّ مِن المَكرِ والِحيَل والكيدِ في إتمامِ مُرادِهنَّ ما لا يَقدِرُ عليه الرِّجالُ في هذا البابِ

 🖊️- و قولُ الله تعالى: {قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ }هذه الآيةُ الكريمةُ إذا ضُمَّت لها آيةٌ أُخرَى حصَل بذلك بيانُ أنَّ كيدَ النساءِ أعظمُ مِن كيدِ الشيطانِ، والآيةُ المذكورةُ هي قولُه: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا النساء}؛ لأنَّ قولَه في النساءِ: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} ، وقوله في الشيطانِ: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} يدلُّ على أنَّ كيدهنَّ أعظمُ مِن كيدِه ، وعن بعضِ العلماءِ: (إنِّي أخافُ مِن النساءِ ما لا أخافُ مِن الشيطانِ؛ فإنَّه تعالى يقولُ: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا، وقال للنساءِ: إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ، ولأنَّ الشيطانَ يوسوسُ مسارقةً، وهنَّ يواجِهْنَ به الرجالَ)

🖊️- وقيل: لا دلالةَ فيه، فالمقامُ مختلفٌ؛ فإنَّ ضعفَ كيدِ الشيطانِ إنَّما هو في مقابلةِ كَيْدِ الله تعالى، وعظمَ كيدِهنَّ إنَّما هو بالنسبةِ الى كيدِ الرجالِ، وإنَّما كيدُ النسوانِ بعضُ كيدِ الشيطانِ

قولُ الله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا}

🖊️- فيه الحذَرُ مِن المحبَّةِ التي يُخشى ضَرِرُها؛ فَإِنَّ امرأةَ العَزيزِ جرى منها ما جرى، بسبب توحدِها بيوسُفَ، وحُبِّها الشَّدِيدِ له، الذي ما ترَكَها حتى راودته تلك المُراوَدةَ ، ثمَّ كَذَبَت عليه، فسُحِنَ بسَبَبِها مدة طويلة.

قول الله تعالى: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}

🖊️- احْتَمَل الهَوانَ والأذى في طاعَةِ اللَّهِ على الكَرامَةِ والعِزَّ فِي مَعْصيةِ اللَّهِ – كما فَعَل يوسف عليه السَّلامُ وغيرُه مِنَ الأنبياء والصالحين – كانتِ العاقبة له في الدنيا والآخرة، وكان ما حصل له مِنَ الأذَى قد انقَلَب نَعِيمًا وسُرورًا، كما أنَّ ما يحصُلُ لأربابِ الذُّنوبِ مِنَ التَّنقُمِ بِالذُّنوبِ يَنقَلِبُ حُزْنًا وثُبُورًا.

قولُ الله تعالى: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ}

🖊️- فيه أنَّ العِلمَ والعَقل يدعُوانِ صاحبهما إلى الخير، وينهيانه عن الشَّرِّ، وأنَّ الجَهلَ يدعو صاحِبَه إلى مُوافقة هوى النفس، وإن كان معصيةً ضارا.

🖊️- إِنَّ هذا جَهْل؛ لأنَّه أَثَرَ لذَّةَ قَليلَةٌ مُنَفِّصَةً على لذَّاتِ مُتَابِعَاتٍ، وشَهَوَاتٍ مُتَنَوِّعاتٍ في جنَّاتِ النَّعيمِ، ومَن أَثَرَ هذا على هذا فمَنْ أَجْهَلُ منه؟! فإنَّ العلم والعقل يدعو إلى تقديم أعظم المصلحتين وأعظم اللَّذَّتين، ويُؤثر ما كان محمود العاقبة.

قولُ الله تعالى: {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي }

🖊️- فيه أنَّ العالم إذا جهلت منزِلتُه في العِلمِ، فوصف نفسه بما هو بصدده – وغرَضُه أن يُقتبس منه، ويُنتفع به في الدِّينِ – لم يكُن من باب التزكية.

قول الله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا}

🖊️- فِيهِ وُجُوبُ الاعترافِ بِنِعَمِ الله الدينية والدنيوية؛ فهو الذي مَنَّ بالعافية والرِّزْقِ وتوابع ذلك، وهو الذي مَنَّ بنعمة الإسلام والإيمانِ والطَّاعة وتوابع ذلك، فعلى العبد أن يعترف بها بقلبه ويتحدث بها، ويستعينَ بها على طاعةِ المُنعِم.

قال الله تعالى: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا}

🖊️- هَذا يَدُلُّ على أنَّ من أراد أن يتعلم من رجلٍ شَيئًا، فإنَّه يجب عليه أن يُعظُمَه، وأن يُخاطِبَه بالألفاظ المُشعِرةِ بالإجلال.

قول الله تعالى: {يا صاحبي السجن أَمَّا أَحَدُكُمَا فِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ}

🖊️- لم يعين من هو صاحِبُ البُشرى، ومن هو صاحب المصير السيئ؛ تلطفا، وتحرجا من المواجهة بالشَّرِّ والسوء.

 قولُ الله تعالى: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِتَانِ}

🖊️- فِيهِ أَنَّ عِلمَ التَّعْبِيرِ من العُلومِ الشَّرعيَّة، وأنَّه يُثابُ الإنسانُ على تعلمه وتعليمه، وأن تعبير المرائي داخل في الفتوى؛ فلا يجوزُ الإقدام على تعبير الرؤيا من غيرِ عِلمٍ.

قول الله تعالى: {وَقَالَ للذي ظن أنه ناج منها اذكرني عند رَبَّك}

🖊️- فيه أن من وقع في مكروه وشدة، لا بأس أن يستعين بمن له قدرة على تخليصه، أوالإخبار بحاله، وأن هذا لا يكون شكوى للمخلوق، فإن هذا من الأمور العادية التي جرى العرف باستعانة الناس بعضهم ببعض

في قوله تعالى: {فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ }

🖊️- إِشَارَةٌ إِلى أَنَّ نَسِيانَ الخَيْرِ يكونُ مِن الشَّيطان

قول الله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعُ عِجَافٌ }.

🖊️- أنَّه لَمَّا بطل السَّببُ الذي أمَرَ به يوسُفُ عليه السلام- وهو تذكيرُ السَّاقي به – أثار الله سبحانه سَببًا يُنفذ به ما أراد مِن رئاسته .

🖊️- أن الله سبحانه وتعالى إذا أراد شيئًا هيَّاً له أسبابًا، ولَمَّا دنا فرَجُ يوسُفَ عليه السَّلامُ، رأى مَلِكُ مصر في النوم تلك الرُّؤيا

🖊️- فيه صِحْةُ رُويا الكافر.

🖊️- فيه جواز تسمية الكافر ملكا.

قول الله تعالى: { قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ }

🖊️- فيه أنَّ من قال : إِنَّ الرُّؤيا لأوَّلِ عابر ليس عاما في كلِّ رُؤيا؛ لأنَّهم قالوا: أَضْغَاتُ أَحْلَامٍ ولم تَسقُط بقولِهم ذلك، فتُخَصُّ تلك القاعدة بما يَحتَمِلُ من الرؤيا وجوها فيُعبَّرُ بأحدِها فتقعُ عليه.

🖊️- {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ } لطف الله بيوسُفَ عليه السَّلامُ؛ فإنَّه لو عبرها ابتداء – قبل أن يَعرِضَها المَلِكُ على الملا مِن قَومِه وعُلمائهم فيعجزوا عنها – لم يكن لها ذلك الموقع، ولكِنْ لَمَّا عرَضَها عليهم فعَجزوا عن الجواب، وكان المَلِكُ مهتما لها، فعبرها هذا من يوسُفُ – وقعت عندهم موقعا عظيمًا.

قولُ الله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ}

🖊️-  يدلُّ على فضيلةِ العِلمِ؛ فإنَّه سُبحانه جعل علمَ يوسُفَ عليه السَّلامُ سببًا لخَلاصِه مِن المِحنةِ الدُّنيويَّة، فكيف لا يكونُ العِلمُ سَببًا للخَلاصِ مِن المِحَن الأُخرويَّة

  قولُ الله تعالى: {قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ}

🖊️- {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ} وسَكَتَ عنِ امرأةِ العَزيزِ، وفي ذلك عدةُ أوجهٍ:

أنَّه سكَت عنها، أدبًا واحترامًا، وحُسْنَ عِشْرَةٍ  ورِعايَةً لِذِمَامِ العَزيزِ، ووفاءً له فهو زوجُها  .

أنَّ في سؤالِه عنها تهمةً، ربَّما صار بها متَّهمًا  .

خَوْفًا مِن كَيْدِها، وعَظيمِ شَرِّها، واحترازًا عن مكرِها

قولُ الله تعالى: {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}

🖊️- مِنْ عَجائبِ الجَزاءِ في الدُّنْيا أنَّه لمَّا بَغَتْ على يوسف عليه السلام المرأةُ بدَعْواها: مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًاأنْطَقَها الحقَّ بقولِها: {أَنَا رَاوَدْتُهُ}

🖊️- قولُ امرأةِ العزيز: {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} هذا القولُ منها- وإنْ لم يكُنْ سأل عنه- إظهارٌ لتوبتِها، وتحقيقٌ لِصدقِ يوسُفَ وكرامتِه؛ لأنَّ إقرارَ المُقِرِّ على نفسِه أقوى من الشَّهادةِ عليه، فجمع اللهُ تعالى ليوسُفَ- لإظهارِ صِدقِه- الشَّهادةَ والإقرارَ، حتى لا يخامِرَ نَفسًا ظَنٌّ، ولا يُخالِطَها شَكٌّ.

🖊️- بَيَّنَ القُرآنُ العَظيمُ بَراءةَ يُوسُف عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ مِن الوُقوعِ فيما لا يَنبَغِي؛ حيث بَيَّنَ شَهادةَ كُلِّ مَن له تَعَلُّق بالمَسأَلَةِ بِبَراءَتِه، وشَهادةَ الله له بذلك، واعْتِراف إبليس به. أمَّا الذين لهم تَعَلُّق بتِلك الواقِعَة فهم: يُوسُف، والمَرأَةُ، وزَوْجُها، والنِّسْوَةُ، والشُّهودُ. أمَّا جَزْمُ يُوسُف بأنَّه بَرِيءٌ مِن تِلك المَعصِيَة فذَكَرَهُ تعالى في قوله: {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي}، وأمَّا اعْتِرافُ المَرأَةِ بذلك ففي قولِها للنِّسْوَةِ: {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} .

🖊️- وأمَّا اعْتِراف زَوْجِ المَرأَةِ ففي قوله: {قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ}.

🖊️- وأمَّا اعْتِراف الشُّهود بذلك ففي قوله: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ….}

🖊️- وأمَّا شَهادَةُ الله جَلَّ وعَلَا بِبَراءَتِه ففي قولِه: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}.

🖊️- وأمَّا إِقْرار إبليس بطَهارَةِ يُوسُف ونَزاهَتِه ففي قولِه تعالى: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} فأَقَرَّ بأنَّه لا يُمكِنُه إِغْواءُ المُخْلَصِين، ولا شَكَّ أنَّ يُوسُف مِن المُخْلَصِين، كما صَرَّحَ تعالى به في قوله: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} فظَهَرَت دِلالَةُ القُرآنِ مِن جِهاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ على بَراءَتِه ممَّا لا يَنْبَغي.

قولُ اللَّهِ تعالى: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}

🖊️-  فيه فَضيلةُ العِلْمِ؛ عِلْمِ الأحكامِ والشَّرعِ، وعِلْمِ تعْبيرِ الرُّؤيا، وعِلْمِ التَّدبيرِ والتَّربيةِ، وأنَّه أفضَلُ مِن الصُّورةِ الظَّاهِرةِ، ولو بلَغَ الشَّخصُ في الحُسْنِ جَمالَ يوسُفَ؛ فإنَّ يوسُفَ- بسَبَبِ جَمالِه- حصَلَت له تلك المِحنةُ والسِّجنُ، وبسَبَبِ عِلْمِه حصَلَ له العِزُّ والرِّفعَةُ والتَّمكينُ في الأرضِ؛ فإنَّ كلَّ خيرٍ في الدُّنيا والآخِرةِ مِن آثارِ العِلْمِ وموجِباتِه.

قولُه تعالى: {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}، وكذلك قولُه تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}

🖊️- فيه أنَّ الإحسانَ في عبادةِ اللهِ، والإحسانَ إلى العبادِ سببٌ يُنالُ به العِلمُ، وتُنالُ به خيراتُ الدُّنيا والآخرةِ، فجعل اللهُ الإحسانَ سببًا لنَيلِ هذه المراتبِ العاليةِ

قولُ اللَّهِ تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ}

🖊️- فيها مِن العِبرةِ: أنَّ المَظلومَ المَحسودَ إذا صبَرَ واتَّقى اللَّهَ، كانت له العاقِبةُ

قولُ اللَّهِ تعالى: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}

🖊️- دلَّ ثناءُ يوسُفَ على نفْسِه أنَّه يجوزُ للإنسانِ أنْ يُثنِيَ على نفسِه بالحقِّ إذا جُهِلَ أمْرُه، ولا يكونُ ذلك مِن التَّزكيةِ المَنْهِيِّ عنها.

 قولُ اللَّهِ تَعَالَى: { قَالَ هَلْ آمَنْكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ}

🖊️- فيه أنَّ سوءَ الظَّنِّ – مع وُجودِ القرائنِ الدَّالَّة عليه – غير ممنوع ولا مُحرَّم

🖊️- قيل : قد صدَّقَت هذه القِصَّةُ المَثَلَ السَّائِرَ، وهو قولهم: (البَلاءُ مُوكَّلٌ بالمَنطِقِ)؛ فإِنَّ يعقوب عليه السَّلامُ قال: {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ }أَي تُغْلَبُوا عليه، فابتلي بذلك، وأحيط بهم، وغلبوا عليه .

قول الله تعالى: {وَقَالَ يَنبَنِي لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابِ وَحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّن اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِلُونَ * وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْتَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } .

🖊️- أي: لكِنْ  أمَرَهم يعقوبُ بدُخولِ مصرَ مِن أبوابٍ مُتفرِّقَةٍ؛ لِحاجةٍ في نفْسِه أنفَذَها حين أمَرَهم بذلك، فلم يدَّخِرْ تلك النَّصيحةَ عنهم؛ لِيطمئنَّ قلْبُه بأنَّه لم يترُكْ شيئًا يظُنُّه نافعًا لهم إلَّا أبلَغَه إليهم؛ شفَقَةً منه، وحِرصًا على تنْبيهِهم للأخطارِ الَّتي قد تعرِضُ لهم، وتعْليمِهم الأخذَ بالأسبابِ مع التَّوكُّلِ على اللَّهِ

🖊️- قال ابن حزم: (يعقوب عليه السلام أمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة؛ إشفاقا عليهم؛ إما من إصابة العين، وإما من تعرض عدو أو مستريبٍ بإجماعهم، أو ببعض ما يُخَوفه عليهم، وهوعليه السَّلامُ مُعترف أنَّ فعله ذلك، وأمْرَه إيَّاهم بما أمرهم به من ذلك لا يُغني عنهم من الله شيئًا يُريدُه عزَّ وجل بهم ، ولكن لما كانت طبيعة البشر جارية في يعقوب عليه السلام، وفي سائر الأنبياء عليهم السلام – كما قال تعالى حاكيًا عنِ الرُّسُلِ أَنَّهُم قَالُوا: وَإِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ)

🖊️- قال ابن عاشور: (المعنى أنَّ اللهَ أمَرَ يعقوب عليه السَّلامُ بأَخْذِ أسباب الاحتياط والنَّصيحة، علمه بأنَّ ذلك لا يُغني عنهم مِن اللهِ مِن شيءٍ قدَّرَه لهم؛ فإِنَّ مُرَادَ اللهِ تعالى خَفِيٌّ عن النَّاسِ، وقد أمر بسلوك الأسبابِ المُعتادة، وعلِمَ يعقوب عليه السَّلامُ ذلك، ولكنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لا يعلمون تطلب الأمرين، فيُهملون أحدهما؛ فمنهم مَن يُهِمِلُ معرفةَ أَنَّ الأسبابَ الظَّاهِرِيَّةَ لَا تدفَعُ أمرًا قدَّرَه الله وعلمَ أَنَّه ،واقع، ومنهم مَن يُهمِلُ الأسباب، وهو لا يعلَمُ أَنَّ اللهَ أراد في بعض الأحوالِ عدَمَ تأثيرها)

🖊️- أنَّ الإنسانَ مأْمورٌ بأنْ يُراعِيَ الأسبابَ المُعتبَرَةَ في هذا العالَمِ، ومأمورٌ أيضًا بأنْ يعتقِدَ ويجزِمَ بأنَّه لا يصِلُ إليه إلَّا ما قدَّرَه اللَّهُ تعالى، وأنَّ الحذَرَ لا يُنْجِي مِن القدَرِ؛ فإنَّ الإنسانَ مأمورٌ بأنْ يحذَرَ من الأشياءِ المُهلِكةِ، والأغذيةِ الضَّارَّةِ، ويسعى في تحصيلِ المنافِعِ، ودفْعِ المَضارِّ بقدْرِ الإمكانِ. ثمَّ إنَّه مع ذلك ينْبغي أنْ يكونَ جازِمًا بأنَّه لا يصِلُ إليه إلَّا ما قدَّرَه اللَّهُ، ولا يحصُلُ في الوُجودِ إلَّا ما أرادَه اللَّهُ؛  فقولُه عليه السَّلامُ: {لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} إشارةٌ إلى رِعايةِ الأسبابِ المُعتبَرَةِ في هذا العالَمِ

🖊️-  وقولُه: {وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} إشارةٌ إلى عدَمِ الالتفاتِ إلى الأسبابِ، وإلى التَّوحيدِ المحْضِ، والبَراءةِ عن كلِّ شيءٍ سِوى اللَّهِ تعالى

🖊️- دلَّت هذه الآيةُ على أنَّ المُسلِمَ يجِبُ عليه أنْ يُحَذِّرَ أخاه ممَّا يخافُ عليه، ويُرْشِدَه إلى ما فيه طريقُ السَّلامَةِ والنَّجاةِ؛ فإنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ، والمُسلِمُ أخو المُسلِمِ

🖊️- (وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) أي: لا يكونُ ما أمرْتُكم به مُغنِيًا غَنَاءً مُبتدِئًا مِن عند اللَّهِ، بل هو الأدَبُ والوقوفُ عند ما أمَرَ اللَّهُ، فإنْ صادَفَ ما قدَّرَه فقد حصَلَ فائدتانِ، وإنْ خالَفَ ما قدَّرَه حصَلَت فائدةُ امتثالِ أوامِرِه، واقتِناعِ النَّفْسِ بعدَمِ التَّفريطِ

🖊️- فيه إثباتُ أنَّ العينَ حقٌّ  ، هذا على القولِ بأنَّه أمَرهم بذلك لخوفِه عليهم مِن العينِ.

🖊️- كذلك حجَّةٌ في الاحترازاتِ خشيةَ العينِ؛ لأنَّ يعقوبَ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ نبيٌّ وقد فَكَّرَ في هذا، وربُّه جلَّ وعلا- وإنْ كان قد بَيَّنَ أنَّ احترازَهم لم يُغْنِ عنهم شيئًا – فلم يُنْكِرْ وَصاةَ أبيهم بذلك، وقال نبيُّنا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: ((العينُ حقٌّ، ولو كان شيءٌ سابِقَ القَدَرِ، سبقَتْه العينُ   ))  ، هذا على القولِ بأنَّه خافَ عليهم مِن العينِ.

🖊️- فيه حُجَّةٌ على مَن ينفي القَدَرَ؛ لأنَّ العينَ- وإنْ كانت حقًّا – فليست تصيبُ إلَّا بقَدَرٍ  ، هذا على القولِ بأنَّه أمَرهم بذلك لخوفِه عليهم مِن العينِ.

🖊️-  لم يُوصِهِم يعقوبُ عليه السلامُ بالتَّفرُّقِ في الكَرَّةِ الأُولى؛ لأنَّهم كانوا مجْهولينَ مَغْمورينَ بين النَّاسِ  ، مع شُغْلِ النَّاسِ بما هم فيه مِن القَحْطِ

🖊️- وجُملةُ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ في مَوْضِعِ البَيانِ لجُملةِ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ؛ ليُبَيِّنَ لهم أنَّ وصيَّتَه بأخْذِ الأسبابِ مع التَّنْبيهِ على الاعتمادِ على اللَّهِ هو مَعْنى التَّوكُّلِ الَّذي يَضِلُّ في فَهْمِه كثيرٌ منَ النَّاسِ اقتِصارًا وإنكارًا؛ ولذلك أتَى بجُملةِ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ أمرًا لهم ولغيرِهم، على مَعْنى أنَّه واجِبُ الحاضِرينَ والغائِبينَ، وأنَّ مَقامَه لا يختصُّ بالصِّدِّيقينَ، بل هو واجِبُ كلِّ مؤمنٍ

في قوله تعالى: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السَّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}

🖊️- حُجَّةٌ في جواز المعاريض، بل في إباحة الكذب فيما دعا إلى الصلاح والخير، ودفع الحرج فيه، وزَوالِ المأتم في تكريره .

في قوله تعالى: { فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السَّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذنَ مُؤَذِّنٌ أَيْنَهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } إلى قوله: { كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}

🖊️- فيه دليل على أنَّ الوصول إلى الحُقوقِ وصلاحٍ ذَاتِ البَيْنِ مُبَاحٌ بِالحِيَلِ، وأَنَّ

التوصل إلى الأغراض بالحِيلِ جائز إذا لم تُخالِف شريعة، ولا هَدَمت أصلا.

في قوله تعالى: { كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}

🖊️- من لطيف الكيد في ذلك:  توصَّل إلى أخْذِ أخيه بطريقِ يعترفُ إخوتُه أَنَّها ليست ظُلمًا، فوضَعَ الصُّواعَ في رَحْلِ أخيه بمُواطأةٍ منه له على ذلك، ولهذا قال: ﴿فَلَا تَبْتَسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

🖊️- من لطيف الكيد: فكأَنَّه لَمَّا خَرَجَ القومُ وارتحلوا، احتاج الملكُ إلى صُواعِه لبعض حاجَتِه إليه، فالتمسه فلم يجده، فسأل عنه الحاضرين فلم يجدوه، فأرسلوا في أثر القوم، فهذا أَحْسَنُ وأبعدُ مِن التَّفطِّنِ للحيلة من التفتيش في الحالِ قبل انفصالهم عنه، بل كلما ازدادوا بعدا عنه كان أبلَغَ في هذا المعنى.

🖊️- ومِن لَطيف الكيدِ: قولُ المُؤذِّنِ وأصحابه لإخوة يوسف عليه السَّلامُ: {قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ } أي : ما عُقوبةُ مَن ظهَرَ عليه أنَّه سَرَقَه منكم ووُجد معه؟ أي ما عُقوبتُه عندكم وفي دِينِكم ؟ قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ فَأَخَذوهم بما حكموا به على نفوسهم، لا يحكم الملِكِ وقومه.

🖊️- دلالة على الى الاية إن كان جزاء للمعتدي بمثل فِعْلِهِ كان عدلًا حَسَنًا

🖊️-  إن قيل: كيفَ صبر يوسف عليه السلام عن أبيه بعد أن صار ملكًا، مع

أن البر به يقتضي أن يبادر إليه ويستدعيه ؟

🖊️- فالجواب: أن ذلك كان عن أمر الله تعالى وبوحي منه؛ ليرفع درجة يعقوب عليه السلام بالصبر على البلاء، ويكمل أجره، وتتفسر الرُّؤْيا الأُولى، وكان يوسف عليه السلامُ يُلاقي من الحزنِ لأجلِ حزن أبيه عظيما، ولا يقدرعلى دفع سببه.

في قول الله تعالى: : { قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ}

🖊️- إذا اشتكَى العبدُ إلى ربِّه ما نزَلَ به مِنَ الضُّرِّ، وسألَه إزالتَه؛ لم يَكُنْ مَذْمُومًا على ذلك باتِّفاقِ المُسلمين؛ فالشَّكْوَى إلى اللَّهِ لا تُنافي الصَّبْرَ، بلِ الشَّكْوَى إلى الخَلْقِ هي التي قد تُنافي الصَّبْرَ؛ فإِنَّ يَعقوبَ عليه السَّلامُ قال: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، وقال: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ  ، فالصبرُ الجميلُ هو الذي لا شكوَى معه، ولا تنافيه الشَّكوى إلى الله سبحانَه وتعالى

🖊️- شكا يعقوب عليه السلام إلى اللهِ، ولم يشْكُ مِن اللهِ، ومَن شَكا إلى اللهِ وصَلَ، ومن شكا من اللهِ انفَصَل، ويُقال: لَمَّا شكا إلى الله وجَدَ الخَلَف من اللهِ

🖊️- إذا اشْتَدَّ الكَرْبُ وعَظُمَ الخَطْبُ؛ كان الفَرَجُ حِينئذٍ قريبًا في الغالِبِ، ومِن لَطائِفِ أَسرارِ اقتِرانِ الفَرَجِ باشْتِدادِ الكَرْبِ: أنَّ الكَرْبَ إذا اشْتَدَّ وعَظُمَ وتَناهَى، وُجِدُ الإياسُ مِن كشْفِه مِن جِهةِ المخلوقِ، ووقَعَ التَّعَلُّقُ بالخالِقِ وحدَه، ومَنِ انقَطَعَ عنِ التَّعَلُّقِ بالخَلائقِ، وتَعَلَّقَ بالخالقِ؛ استجاب اللَّهُ له، وكَشَفَ عنه؛ فإنَّ التَّوَكُّلَ هو قَطْعُ الاستشرافِ باليأْسِ مِنَ المخلوقينَ

قولُ اللَّهِ تعالى:{ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}

🖊️- يَدُلُّ على أنَّه بحسَبِ إيمانِ العبدِ يَكونُ رَجاؤُهُ لرَحمةِ اللَّهِ ورَوْحِه

🖊️- فيه أنَّ اليأْسَ مِن رحمةِ اللَّهِ مِنَ الكبائرِ

🖊️- إيمانُ المُؤمنِ يَظهَرُ عندَ الابتِلاءِ؛ فهو يُبالِغُ في الدُّعاءِ، ولا يَرَى أثرًا للإجابةِ، ولا يَتغَيَّرُ أملُه ورَجاؤُه ولو قَوِيَتْ أسبابُ اليأْسِ؛ لعِلْمِه أنَّ الحقَّ أعلمُ بالمصالِحِ، أو لأنَّ المرادَ مِنْه الصَّبرُ أوِ الإيمانُ؛ فإنَّه لم يَحْكُمْ عليه بذلك إلَّا وهو يُريدُ مِنَ القلْبِ التَّسليمَ؛ ليَنْظُرَ كيف صبرُه، أو يُريدُ كثرةَ اللَّجَأِ والدُّعاءِ، فأمَّا مَن يُريدُ تَعْجيلَ الإجابةِ، ويَتَذمَّرُ إنْ لم تتعَجَّلْ فذاك ضعيفُ الإيمانِ، ويَرَى أنَّ له حقًّا في الإجابةِ، وكَأَنَّه يَتَقاضى أُجْرَةَ عَمَلِهِ، فيَعقوبُ عليه السَّلامُ بقِيَ سنينَ في البَلاءِ، ورجاؤُه لا يَتغَيَّرُ، فلَمَّا ضُمَّ إلى فَقْدِ يوسُفَ فَقْدُ بِنْيامينَ لم يتغيَّرْ أمَلُه

قال اللَّهُ تعالى: { وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}

🖊️- أشرفُ أعضاءِ الإنسانِ هذه الأعضاءُ الثَّلاثةُ المشارِ إليها في هذِه الآيةِ، وهِي: اللِّسانُ والعينُ والقلبُ، وقد بَيَّن اللهُ تعالى أنَّها كانتْ غَريقةً في الغَمِّ: فاللِّسانُ كان مَشغولًا بقولِه: يَا أَسَفَى، والعَيْنُ بالبُكاءِ والبَياضِ، والقلْبُ بالغَمِّ الشَّديدِ الَّذي يُشْبِهُ الوِعاءَ المملوءَ الَّذي شُدَّ، ولا يُمكِنُ خُروجُ الماءِ منه، وفي هذا مُبالَغةٌ في وَصْفِ ذلك الغَمِّ

🖊️- قال سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ: (لم يَكُنْ عندَ يَعقوبَ ما في كِتابِنا مِنَ الاسْتِرْجاعِ، ولو كان عِندَه لَمَا قال: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ}

قولُ اللَّهِ تعالى: { قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ}

🖊️- فِيهِ جَوازُ إِحْبَارِ الإنسان بما يَجِدُ، وما هو فيه مِن مَرَضِ أَوْ فَقْرِ ونحوهما، إذا كان على غيرِ وَجْهِ.

🖊️- يُؤخَذُ مِنه جَوازُ شَكْوَى الحَاجَةِ لِمَنْ يُرْجَى منه إزالتها

وقوله تعالى: { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ}

🖊️- مَنْ تأمَّلَ ذُلَّ إخوةِ يوسُفَ عليه السَّلامُ يومَ قالوا: { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا}، عَرَفَ شُؤْمَ الزَّللِ، ومَن تدبَّرَ أحوالَهم قاسَ ما بينهم وبين أخيهِم مِنَ الفُروقِ، وإنْ كانَتْ توبتُهم قُبِلَتْ؛ لأنَّه ليس مَن رَقَّعَ وخاطَ كمَن ثَوْبُه صَحيحٌ.

في قَولِه تعالى: { قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}

🖊️- إشارةٌ إلى أنَّ إخبارَ العبدِ مِن نَفسِه بحُصولِ التَّقوى والصَّبرِ- إذا كان صِدقًا، وفي ذلك مَصلحةٌ- مِن بابِ التحَدُّث بنِعمةِ اللهِ  .

🖊️- الصَّبرُ مِن أَجَلِّ مقاماتِ الإيمانِ، وأخصُّ النَّاسِ باللَّهِ وأَولاهم به أشدُّهُم قِيامًا وتَحَقُّقًا به، وأنَّ الخاصَّةَ أحْوَجُ إليه مِنَ العامَّةِ.

🖊️- حَثٌّ على الإحسانِ، وإشارةٌ إلى أنَّ المُحْسِنَ يُجْزَى أحسَنَ جَزاءٍ منه تعالى، وإنْ لم يَجْزِه المحسَنُ إليه.

🖊️- الصَّبْرُ والتَّقوى دَواءُ كُلِّ داءٍ مِن أَدْواءِ الدِّينِ، ولا يَسْتَغْني أحدُهما عن صاحبِه.

قولُ اللَّهِ تعالى: { قَالَ أَنَا يُوسُفُ}

 🖊️- صَرَّحَ بالِاسْمِ؛ تعظيمًا لِمَا نَزَلَ به مِن ظُلْمِ إخوتِه وما عَوَّضَهُ اللَّهُ مِنَ الظَّفَرِ والنَّصْرِ، فكأنَّه قال: أنا الَّذي ظَلَمْتُموني على أعظمِ الوُجوهِ، واللَّهُ تعالى أوْصَلَني إلى أعظمِ المناصِبِ، أنا ذلك العاجِزُ الَّذي قَصَدْتُم قَتْلَه، وإلقاءَه في البِئْرِ، ثُمَّ صِرْتُ كما تَرَوْنَ؛ ولهذا قال: وَهَذَا أَخِي مع أنَّهم كانوا يَعْرِفونَه؛ لأنَّ مَقْصودَه أنْ يقولَ: وهذا أيضًا كان مَظلومًا كما كنْتُ، ثُمَّ إنَّه صارَ مُنْعَمًا عليه مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تعالى، كما تَرَوْنَ

قولُ اللهِ تعالى: { قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}

🖊️-  فيه أنَّ العِبْرَةَ في حالِ العبدِ بكَمالِ النِّهايةِ، لا بنَقْصِ البِدايةِ؛ فإنَّ أولادَ يعقوبَ عليه السَّلامُ جَرَى منهم ما جرَى في أوَّلِ الأمرِ، مِمَّا هو أكبرُ أسبابِ النَّقصِ واللَّوْمِ، ثُمَّ انتهَى أمْرُهم إلى التَّوْبةِ النَّصُوحِ، والسَّماحِ التَّامِّ مِن يوسُفَ ومِن أبيهم، والدُّعاءِ لهم بالمَغفرةِ والرَّحمةِ، وإذا سمَحَ العَبدُ عن حقِّه؛ فاللَّهُ خيرُ الرَّاحِمين.

🖊️- فيه مِنَ العِبْرَةِ: أنَّ الظَّالِمَ الحاسِدَ قد يتوبُ اللَّهُ عليه ويَعْفُو عنه، وأنَّ المظلومَ يَنبغي له العَفْوُ عن ظالِمِه إذا قَدَرَ عليه.

🖊️- كَمَّل يوسفُ صلواتُ اللهِ عليه مراتِبَ الصَّبرِ؛ الصَّبرُ الاضطراريُّ: وهو صَبرُه على أذيَّةِ إخوَتِه، وما ترتَّبَ عليها مِن بُعدِه عن أبوَيه، وصَبرُه في السِّجنِ بِضعَ سِنينَ. والصَّبرُ الاختياريُّ: صَبرُه على مراودةِ سَيِّدتِه امرأةِ العزيزِ. وكَمَّل مراتِبَ العَدلِ والإحسانِ للرعيَّةِ حين تولَّى خزائِنَ البلادِ المِصريَّة، وكَمَّل مراتِبَ العَفوِ والكرَمِ حين قال له إخوتُه: تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فارتقى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى أعلَى مقاماتِ الفَضلِ والخيرِ، والصِّدقِ والكَمالِ، ونشَرَ اللهُ له الثَّناءَ بين العالَمينَ .

قال الله تعالى: { اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}

🖊️- أن شِفاءُ الأمراضِ كما يكونُ بالأدويةِ الحسِّيَّةِ يكونُ بأسبابٍ ربَّانيَّةٍ، بل يحصُلُ بهذا النَّوعِ مِن أنواعِ الشِّفاءِ ما لا يحصُلُ بغيرِه؛ فيعقوبُ عليه السَّلامُ قد ابيضَّت عيناه من الحُزنِ وذهب بصَرُه، فجعل اللهُ شفاءَه وإبصارَه بقميصِ يوسُفَ، حين ألقاه على وَجهِه فارتدَّ بصيرًا؛ لِمَا كان فيه من رائحةِ يوسُفَ الذي كان داءُ عينيه مِن حُزنِه عليه، فصار شِفاؤُه الوحيدُ- مع لُطفِ اللهِ- في قميصِ جَسَدِه، واللهُ قادِرٌ على أن يَشفيَه من دون سبَبٍ، ولكنَّه حكيمٌ؛ جعل الأمورَ تجري بأسبابٍ ونِظاماتٍ قد تهتدي العُقولُ إلى مَعرفتِها، وقد لا تهتدي؛ فهو تعالى يشفي العبادَ بأدويةٍ وأسبابٍ حِسِّيَّةٍ، وبأسبابٍ ربَّانيَّةٍ معنويَّةٍ: { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُو}، كما أنَّه تعالى يُوجِدُ الأشياءَ بأسبابٍ حسِّيَّةٍ معلومةٍ، وبأسبابٍ ربَّانيَّةٍ لا تهتدي العقولُ إليها، كما في مُعجزاتِ الأنبياءِ وكراماتِ الأولياءِ، وآياتِه النفسيَّةِ والكونيَّةِ، وهو المحمودُ على هذا، وعلى هذا.

قولُ اللَّهِ تعالى: { وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ}

🖊️-  أوْصَل اللَّهُ تعالى إلى يَعقوبَ رِيحَ يوسُفَ عليه السَّلامُ عندَ انْقِضاءِ مُدَّةِ المِحنةِ، ومَجِيءِ وقتِ الرَّوْحِ والفرَحِ مِنَ المكانِ البَعيدِ، ومَنَعَ مِن وُصولِ خَبَرِهِ إليه مع قُرْبِ إحدى البلدتَيْنِ مِنَ الأُخْرى طوالَ سنواتِ هذه المحنةِ، وذلك يدلُّ على أنَّ كلَّ سَهْلٍ فهو في زَمانِ المِحنَةِ صَعْبٌ، وكلَّ صعبٍ فهو في زمانِ الإِقبالِ سَهْلٌ.

 قولُ اللَّهِ تعالى: { قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ}

🖊️- لَمَّا سأَلَ إخوةُ يوسُفَ أباهمُ الاستغفارَ لِذُنوبِهم، عَلَّلُوه بالاعترافِ بالذَّنْبِ؛ لأنَّ الاعترافَ شَرْطُ التَّوْبةِ.

🖊️- فيه دَلالةٌ على جوازِ التَّبشيرِ ببشائرِ الدُّنيا واستحبابِه، وجوازِ السُّرورِ بحُصولِ النِّعَم الحاصلةِ في الدُّنيا.

🖊️- إنَّما سألوه المغفرةَ؛ لأنَّهم أدخلوا عليه مِن ألمِ الحُزنِ ما لا يسقُط المأثمُ عنه إلَّا بإحلالِه، وهذا الحكمُ ثابِتٌ فيمن آذى مُسلِمًا في نفسِه أو مالِه أو غيرِ ذلك ظالِمًا له، فإنَّه يجِبُ عليه أن يتحلَّلَ منه.

قول الله تعالى : { يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}

🖊️- أخبَرَ أنَّه تعالى يلطُفُ لِما يُريدُه؛ فيأْتي به بطُرُقٍ خَفِيَّةٍ لا يعلَمُها النَّاسُ، واسمُه جلَّ وعلا (اللَّطيفُ) يتضمَّنُ عِلْمَه بالأشياءِ الدَّقيقةِ، وإيصالَه الرَّحمةَ بالطُّرقِ الخَفِيَّةِ؛ فكان ظاهِرُ ما امتحَنَ به يوسُفَ مِن مُفارقةِ أبيه وإلقائِه في السِّجنِ، وبيعِه رقيقًا، ثمَّ مُراودةِ الَّتي هو في بيتِها عن نَفْسِه، وكذِبِها عليه وسَجْنِه- مِحَنًا ومصائبَ، وباطِنُها نِعَمًا وفتْحًا، جعَلَها اللَّهُ سببًا لِسعادتِه في الدُّنيا والآخرةِ

قوله تعالى: { وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم}

🖊️- قال يوسُفُ عليه السلامُ: { وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} لم يقُلْ: {أخرَجَني مِن الجُبِّ}؛ حفْظًا للأدبِ مع إخوتِه، وتَفَتِّيًا  عليهم ألَّا يُخْجِلَهم بما جَرى في الجُبِّ، وقال: {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} ولم يقُلْ: جاءَ بكم مِن الجوعِ والنَّصبِ، أو: رفَعَ عنكم جُهْدَ الجُوعِ والحاجةِ؛ أدبًا معهم، وأضافَ ما جَرى إلى السَّببِ ولم يُضِفْه إلى المُباشِرِ الَّذي هو أقرَبُ إليه منه، فقال: نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ولم يقُلْ: {نزَغَ الشَّيطانُ إخوتي}، بل كأنَّ الذَّنْبَ والجهْلَ صدَرَ مِن الطَّرفينِ ؛ فأعْطى الفُتُوَّةَ والكرَمَ والأدبَ حَقَّه؛ ولهذا لم يكُنْ كَمالُ هذا الخُلُقِ إلَّا للرُّسلِ والأنبياءِ صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليهم.

🖊️- خَصَّ مِن إحسانِ اللَّهِ إليه إحْسانَينِ؛ هما: يومَ أخرَجَه مِن السِّجنِ، ومَجيءَ عَشيرتِه مِن الباديةِ؛ فإنَّ (إذْ) ظرْفُ زمانٍ لفعْلِ أَحْسَنَ؛ فهي بإضافتِها إلى ذلك الفعْلِ اقتَضَت وُقوعَ إحسانٍ غيرِ معدودٍ؛ فإنَّ ذلك الوقتَ كان زمَنَ ثُبوتِ بَراءتِه مِن الإثمِ الَّذي رمَتْه به امرأةُ العزيزِ، وتلك مِنَّةٌ، وزمَنَ خَلاصِه مِن السِّجنِ؛ فإنَّ السِّجنَ عذابُ النَّفْسِ بالانفصالِ عنِ الأصدقاءِ والأحِبَّةِ، وبخِلْطَةِ مَن لا يُشاكِلونه، وبشُغْلِه عن خُلْوَةِ نفْسِه بتلقِّي الآدابِ الإلهيَّةِ، وكان أيضًا زمَنَ إقبالِ الملِكِ عليه. وأمَّا مجيءُ أهلِه فزوالُ ألَمٍ نفْسانيٍّ بوَحشتِه في الانفرادِ عن قَرابتِه، وشوقِه إلى لقائِهم؛ فأفصَحَ بذكْرِ خُروجِه مِن السِّجنِ ومجيءِ أهلِه مِن البدْوِ إلى حيثُ هو مَكينٌ قويٌّ.

🖊️- قَولُ الله تعالى: {وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} يُستدَلُّ به على أنَّ الانتقالَ من البدوِ نِعمةٌ، وذلك لِما يلحقُ أهلَ الباديةِ مِن الجَفاءِ، والبُعدِ عن مواردِ العُلومِ، وعن رَفاهةِ المدنيَّة، ولُطفِ المُعاشرة، والكمالاتِ الإنسانيَّة

🖊️- ذِكْرُ مِنَ الْبَدْوِ فيه إظهارٌ لتَمامِ النِّعمةِ؛ لأنَّ انتقالَ أهلِ الباديةِ إلى المدينةِ ارْتقاءٌ في الحضارةِ.

🖊️- {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ} فيه إسنادُ النَّزْغِ إلى الشَّيطانِ؛ لأنَّه المُوَسْوِسُ، كما قال: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا}، وذكَرَ هذا القَدْرَ مِن أمْرِ إخوتِه؛ لأنَّ النِّعمةَ إذا جاءتْ إِثْرَ شِدَّةٍ وبلاءٍ كانتْ أحسنَ مَوقِعًا  ، وهذا مِن مُبالَغتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في الإحسانِ؛ حيثُ أسنَدَ ذلك إلى الشَّيطانِ  . وقد أشارَ إلى مَصائبِه السَّابقةِ مِن الإبقاءِ في الجُبِّ ومُشاهدةِ مَكْرِ إخوتِه به بقولِه: مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي؛ فكلمةُ بعد اقتَضَتْ أنَّ ذلك شيءٌ انقَضَى أثرُه، وقد ألَمَّ به إجْمالًا؛ اقتصارًا على شُكْرِ النِّعمةِ، وإعراضًا عنِ التَّذكيرِ بتِلك الحوادثِ المُكَدِّرَةِ للصِّلةِ بينه وبين إخوتِه؛ فمرَّ بها مَرَّ الكِرامِ، وباعَدَها عنهم بقدْرِ الإمكانِ؛ إذ ناطَها بنَزْغِ الشَّيطانِ

🖊️- {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} فيه أنَّ اللهَ تعالَى يُوصِلُ بِرَّه وإحسانَه إلى العبدِ من حيث لا يَشعُرُ، ويُوصِلُه إلى المَنازلِ الرَّفيعةِ مِن أمورٍ يكرَهُها.

قال اللَّهُ تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}

🖊️- مَن تأَمَّلَ قِصَّةَ يوسُفَ ظهَرَ أنَّ في غرائبِها، وامتحانِ اللَّهِ فيها لقومٍ في مواضِعَ، ولُطْفِه لقومٍ في مواضِعَ، وإحسانِه لقومٍ في مواضِعَ: مُعتَبَرًا لِمَن له لُبٌّ وأجادَ النَّظرَ؛ حتَّى يعلَمَ أنَّ كلَّ أمْرٍ مِن عند اللَّهِ وإليه.

قولُ اللَّهِ تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى}

🖊️- أي: الأماكنِ المَبْنِيَّةِ بالمَدَرِ والحجَرِ ونحوِه؛ لأنَّها مُتهيِّئةٌ للإقامةِ والاجتِماعِ، وانتيابِ أهلِ الفضائلِ، وذلك أجدَرُ بغَزارَةِ العقْلِ، وأصالةِ الرأْيِ، وحِدَّةِ الذِّهنِ، وتوليدِ المعارِفِ مِن البَوادي  ، فالله تعالى لم يبعَثْ نبيًّا مِن أهلِ الباديةِ؛ لغَلَبَةِ الجَفاءِ والقَسوةِ على أهلِ البَدْوِ، ولأنَّ أهلَ الأمصارِ أعقَلُ وأحلَمُ وأفضَلُ وأعلَمُ.

قولُه تعالى: {وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}

🖊️- ذكَرَ اللَّهُ سُبحانَه فِي غيرِ مَوضِعٍ مِن كِتابِه أنَّ الرَّحمةَ تَحصُلُ بالقُرآنِ.

🖊️- قال ابنُ الجَوْزيِّ: (قرأْتُ سُورةَ يوسُفَ عليه السَّلامُ، فتعَجَّبْتُ مِن مَدْحِه عليه السَّلامُ على صَبْرِه، وشَرْحِ قِصَّتِه للنَّاسِ، ورَفْعِ قدْرِه بتَرْكِ ما تَرَك، فتأمَّلْتُ خَبِيئَةَ الأمْرِ فإذا هي مُخالفةٌ للْهَوى المَكْروهِ، فقلْتُ: واعَجَبًا! لو وافَقَ هَواهُ مَن كان يكونُ؟! ولَمَّا خالَفَه لقدْ صارَ أمرًا عَظيمًا؛ تُضْرَبُ الأمْثالُ بصَبْرِه، ويُفْتَخَرُ على الخلْقِ باجْتهادِه، وكلُّ ذلك قد كان بِصَبْرِ ساعةٍ، فيا له عِزًّا وفَخْرًا أنْ تَمْلِكَ نفْسَك ساعةَ الصَّبرِ عنِ المحْبوبِ وهو قريبٌ!)

تم جمعه وكتابته و تلخيصه بعون من الله وحده

نفعنا الله وإياكم به و الحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات

أتمنى لكم بشائر يوسفيه

كتبته/ أحلام الشريف

١٤٤٥/٢/٨

2 تعليقات
  1. غير معروف يقول

    كلام جميل زادك الله علما ونفع بك ❤️

    1. ahlam يقول

      جميعا يارب، شاكرة لك 🤍

اترك ردًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.