الأبدية
بينما تكتب قصة نجاتك هناك من بدأت حكايا غرقه و في الوقت الذي تشعر فيه بجبرك هناك من ابتدأ يتجرع تفاصيل كسره!
عجلة الحياة التي تمر بك هي ذاتها تأتي على غيرك بطريقة أو بأخرى؛
وكثيرا ما تتمنى حينها أن تهب قلوب هؤلاء خلاصة ما ترسخ فيك من اتعاظ بعد البلاء وبودك أن تختصر عليهم الكثير من الإحساس بالألم
ولكن مقام الكلام لا يغني عن الحدث مهما كنت بليغا
لن تمنع عنهم تلك الغصة التي تنهمر معها الدموع، ولا التعاسة و الكآبة أو القلق و الفزع!
لن تنجح في إقناعهم بما يستحق أن يستنزف من جهدهم النفسي و ما لا يستحق؛ فهي معان تعاش لا تُسمع و لا تقرأ، هي أيام و ساعات و ليال يعيشها المرء ويكابد طولها وقسوتها وشدتها باذلا قصار جهده ليمسك بأي خيط تفاؤل بينما هو في قاع اليأس، فيخوض ميدان التجربة الذي يبني في النفس الشيء الكثير
الحياة الدنيا و أيامها دائرة ما بين خمس بلاءات كما أخبرنا الله عنها في الآية الكريمة:
{ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين}
بسم الله على القلوب و جراحها و أمنها و أمانها، ونعوذ بالله من الخوف والخذلان وقلة الحيلة، ونرجوه الثبات على النوائب و نسأله العفو و العافية
ففي كل فائت عوض إلا العافية فهي الحياة بعينها، عافية الدين وعافية البدن نعيم تتعب أمامه أقلام الكبار وتعجز كل الصيغ في حياكة وصفه
ليس بالهيّن أن تعافى و يبتلى غيرك وأن توفق للطاعة و تزل قدم غيرك
هي ن ع م والله جليلة عظيمة تساوي سعادة كل كائن في الحياة
لا تنسيك بهرجة الدنيا وكمالياتها عظيم ما أنت فيه، فعافية الدين و البدن جوهر لا يعاش بدونه و قد يبتلى فيه المرء وهذا مما يُقدره الله سبحانه نسأله ألا يفجعنا في ذواتنا و لا فيمن نحب فنحن فقراء إليه بحاجة دائمة غير ممنونة إلى عافيته ، فكم في المشافي من سقيم لا يرجى برؤه! و متوعك أضناه ألمه!
لكل مُصاب ومبتلى طال أو قصر ألمه، قل أو كثر
العزاء الدائم والحقيقة التي لا شك فيها في
{وبشر الصابرين}
ما صبر من نزل به خطب، ووارى الجريح الكسر إلا لحسن ظن بالله انطوت عليه القلوب، وثقة بأن الأمل كله من عنده سبحانه يغيث به الصدور، وأن الجبر آت لا محالة ثقة بجميل عوضه في الدنيا و الآخره!
ومع كل منعطف تخاف أن يضيع منك ما شددت عليه بالفؤاد من اليقين بعطائه و الاحتساب لأجل ثوابه ضع يدك على صدرك
وحدثه عن الأبدية التي لا موت فيها بعد الموتة الأولى، عن اللذة التي لا يشوبها كدر، عن موت الهم و الحزن و المصائب، عن مفارقة الخذلان و جميع المشاق، عن حياة لا لغو فيها ولا تكذيب، عن طعم السعادة الحقيقي و الفرح السرمدي، عن وداع الخوف من الفقد أو زوال كل ما تحب ومن تحب، عن الجزاء بعد العمل عن الأنفاس الطاهرة، وهناء الروح و دوام العافية، لن نقول فيها أبلغ من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (قال قال الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)
استحضر كل جميل و لذيذ سمعت به و رأيته و تمنيته!
فيها فوق كل هذا الإدراك
لكل خطب تجرعت مرارته ولو للحظة! ولكل غيظ كتمته أو هم تجاسرت عليه أو ذنب أمسكت نفسك عنه!
له عوض تناله
العِرض الذي لم تخض فيه و المال الذي كنت أميناً عليه، سلامة نيتك، و مجاهدة نفسك على الطاعة و محاولاتك المتكررة في تغيير كل سوء، ومغالبة نفسك في أعمال البر، تحريك للصدق حتى لا تكتب عند الله كذابا..إلخ لها جنة تحط فيها رحالك و تنسى فيها كل مُر مر بك، هي ليست بعملك ولكن برحمة الله وحده، و إنما عليك أن يقر في قلبك يقينا أن وعد الله حق و أن الجنة حق و أنها المرحلة التي ان وصلت إليها فأنت لن تخاف ما حييت
غمسة فيها واحدة تنسيك كل بؤس مر بك، تأكد أن الله لا يضيع جهد من عمل و ليست الحكمة بالكمال و لكن باستمرار العودة إلى باب التوبة بعد تحقيق العبودية لله
و إن زاد سواد الأيام و ضاقت عليك كل سعة في الحياة حتى ضجرت؛ واسي نفسك بأنها زائلة، وفي يوم ما ستموت الحياة الدنيا كلها و تكون أنت أبدي في احدى المنزلتين التي كلما تجرعنا هما احتسبناه لأجل منزلة واحدة نرجوها كرما من الله
لاتنسَ أن مواساتك لنفسك و لغيرك لن تضيع وأن لها موعد، اصبر فالموعد الجنة بإذن الله تعالى.
كتبته/ أحلام الشريف
كلامك فعلاً واقعي ، نحن بعد التجربة نصبح أكثر نضجاً ..
هلا و مرحبا 🫶🏻