محادثة الساعة الخامسة فجرا
كل الأرواح تظمأ والمورد واحد.
كانت الساعة الخامسة فجرا وإذا برسالة من صديقة تجمعني بها تسع سنوات من الود، عرى صُحبتنا فيها لم تتغير بتغير الظروف ولم تتأثر بالمسافات هي من قائمة العلاقات الصحية الباقية
ابتدأت رسالتها قائلة بعد السلام: صباح الخير أحلام
أجبتها: مرحبا وصباحك سرور
أحلام روحي عطشانة، رغم كل ما أمارسه من نشاط وعمل إلا أنني أشعر بأن الأماكن لا تشبهني، وأن قلبي بحاجة للارتواء!
وبينما أقرأ رسائلها أكملت قائلة:
أحلام أين الوجهة؟
إلى خالق هذه الروح التي لن ترتوي إلا معه، نحن مع الله في كل طرق الحياة إن ضاقت أو اتسعت، في كل خطوة كانت لأمر ديني أو دنيوي، ومع كل التفاتة ومع كل نظرة
ماذا عن الإخفاقات ؟
لا بأس كلما اخفقنا عدنا وكلما ارتخت يد الاستعانة رجعنا وقلنا بك نستعين
ضعفاء لا قوة لنا إلا بك مذنبين نستغفرك ضالين نستهديك
لسنا بحاجة إلى أن نشعر أن نكون على أفضل حال أو حتى بحاجة إلى الاحساس بالرضا عن عملنا وما إلى ذلك فنحن معه لا نكون إلا عاجزين
كيف أذهب؟
بكمال نقصك الذي تشعرين به إلى كمال قوته سبحانه
كم مرة؟
في كل مُرة وعند كل فرحة؛ اجعليها عادة فيك كلما احسست بحاجتك الماسة للجوء إلى من يقف معك ويسمعك فابدئي بصلاتك و وجهي قلبك إلى الله منادية مستغيثة وأنزلي حاجتك، ثم ابحثي عمن بيده أن يفيدك بمشورة أو بمواساة، ولكن ليتقرر عندك أن الملجأ الأول هو أن يتجه قلبك إلى السماء مهما كان ظرفك و أي كان زمانك، فبالله كل صعب يلين و معه كل بعيد يقترب وتبرأ الجروح و تجبر الكسور، حتى في رخائك لا تتخلين عن مناجاته فأنت بخير مابقيت على بابه سبحانه
أي وقت؟
تحت أي سماء كنت وفوق أي أرض وعلى أي حال ولك أن تختاري إما أقرب ما يكون العبد فيه إليه وهو ساجد أو عند نزوله كل ليلة وقت هدوء الليل وسكونه في الثلث الأخير بعيدا عن كل أحد إلا من قربه
لا أعرف كيف أبدأ؟
لتحملك إليه عطاياه لك فتأملي كم حلوا في حياتك ساقه إليك دون حول منك ولا قوة؟
وحتى يصل المعنى عين اليقين لقلبك تأملي هذا المثال:
أنت تملكين شؤون أمور أبناءك أو عاملة في منزلك مع علمك المحدود وقدرتك القاصرة فأنت أدرى بشؤونها والقادرة على قضائها وتدبيرها بما فيه الأصلح لها وبما يتناسب مع عادات البلد وأعرافهم وكيف الطرق المناسبة لها وما إلى ذلك، وربما تأخذك الرحمة بحالها والرأفة بها كلما ضعفت ولمحت حاجتها في عينيها؛ فمن الأنفع لها ألا تثق إلا بك
-تعالى الله عن أمثلتنا علوا يليق بعظمته-
تخيلي أن زمام أمورك كلها بيد واحد فقط
فأنت مملوكة ولست حرة لمن! لله
و حرة من ملكية سواه!
السعادة بل الاطمئنان الذي سيحتل مملكة ذاتك ستدهشك جدا لم؟
إذا أدركت كماله سبحانه اسما وصفة ولسعة رحمته التي لا تقصر عنك بإذنه ولحبه للملحين
يقول ابن القيم:
“من عرف الله أحبه ولا بد، ومن أحبه انقشعت عنه سحائب الظلمات، وانكشفت عن قلبه الهموم والغموم والأحزان، وعمر قلبه بالسرور والأفراح، وأقبلت إليه وفود التهاني والبشائر من كل جانب، فإنه لا حزن مع الله أبدًا!”
من (عرفه أحبه) لأننا لا نحب إلا اذا اقتربنا وعرفنا من هو سبحانه، ولنتعرف عليه سبحانه وتعالى فالابتداء بالصفات والأسماء مورد عذب للفؤاد كلما ظمئ
ربما لم تعتادي على أن تخصصي وقتا لقول كل ما تشعرين به في جلسة لا يسمعك فيها غيره سبحانه
ولكن هناك فارق كبير ولا وجه للمقارنة بين من تتحدثي معه و تتكلفي عناء الشرح والإيضاح له أمرا واحداً على الأقل هو لا يراه ولا يعلم حجمه ولا تثقي بمقدار مودتك عنده!
وبين من لا يخفى عليه شكل ولا حجم ولا طبيعة الشعور الذي أنت تعجزي عن وصفه و تخونك الكلمات في تفصيله
ويُحب الإلحاح الذي ينفر منه بني جنسك- تعالى الله علوا كبيرا- إن مثل هذا الفرق يجعلك تؤثرين المعبود على العبيد
أحلام الأحوال تعقدت وطالت!
تأكدي أن يوسف حينما بلغ أوج محنته ويعقوب لما فقد بصره وأمّ موسى حينما وضعت موسى على أكف الماء رضيعا وإبراهيم عندما ألقي في النار وخرج سليما وإسماعيل لما كاد ذبحه أن يكون وشيكا فاستسلم؛ لم تكن ردود أفعالهم حيال ما وجدوا إلا أن تلقوها بقلب سليم وثقة بأن الله لا يخذل من كان معه بلا شك ولا خوف في قدرته، كان استسلام مملوك لملك و عابد لمعبود ذلت جباههم وحاجاتهم لله وحده طوعا و كرها، لم يكن نصرهم و لا جبرهم بين عشية و ضحاها و إنما كانت على مهل مرت ساعات أليمة و أيام مريرة ضاقت معها الأنفس صبرا و لكن أنجز الله وعده في الوقت الذي هو خير لهم وقرت العيون بما كانوا يرجون، من فقه معنى العبودية فُتح على قلبه مالم يكن بالحسان من الرضا و السكينة و الطمأنينة وطول الارتواء واللذة في البلاء كلما تذكر أن صبره لله واعتماده عليه، والأمان الذي يأخذ بمجاميعه أن الألم كلما اشتد و انهزمت النفس تعلم أن لديها ركن شديد تأوي إليه، من بكى و شكى ثم يئس و ضجر و استسلم لا بأس و لا نكرة في هذا الشعور لأنه بطبيعة البشرية يعترينا ولكن كيف يمكننا تجاوزه ومواجهته إن طال!
بالاتكاء على باب الله وحده ابتداء في كل كل مرحلة
فماجعلت الصلاة و القرآن إلا مدد
ثم إذا؟
أعدك إن فعلت هذا سكنت جوانحك طمأنينة تشرق معها كل أسارير وجهك وتزهر معها ما مات من أحلامك
وأظنك من فرط السرور الذي ستشعرين به ستصبحي تعدي ساعات اليوم و تحصي في عقلك الأحداث لتقوليها لله تذللا وحاجة وتقفي بكاءة شكاءة بمطالب لا تعد!
ثم تحولت المحادثة إلى تفاصيل يطول ذكرها، تبادلنا بعدها عبارات الختام وهنا كانت نهاية محادثتنا وبداية لتدوينة أشارككم إياها، وهذا من عيوب أو ميزات الكاتب ومدى علاقته بقلمه! فلولا توفيق الله أولا ثم العلاقة الوطيدة بالكتابة لم تخرج هذه المحادثة، تخيلوا العالم بلا كتابة؟ هذا النص سيكون الأسبوع المقبل بإذن الله..
كتبته/ أحلام الشريف
٢٧-١٢-١٤٤٥هـ
كأن الحياة تهدينا الأمان حين نجد من يذكرنا عن عظمة وجود الله، قلمك هنا يشرح الخاطر
الله 🥹😍
يبدو بأنا كلنا تلك الصديقة ،،
كلماتك نزلت على قلوبنا كالماء البارد وقت العطش ..
❤️
الله على هذي الجرعة الإيمانية
جرعة تزيد الأمل بالله وتعلمنا عدم اليأس والقنوط من رحمته
طبطبة جميلة لمن أتعبتهم هذي الحياه
لمن لم يجدوا أشباههم فالارواح الجميلة
سلمت الصاحبة والمصحوبة التي جعت هذي الكلمات الجنيلة تخرجت لتجبر خواطرنا وتبث الأمل فينا أن خيرة الله سبحانه وتعالى خير من إختياراتنا فهو يعلم بما يناسبنا ونعن لانعلم
يالله قد أيش هي طبطبة لمن أتعبتهم الحياة
جرعة من الأمل وعدم اليأس والقنوط
خرجت من القاب لتصل إلى القلب
سلمت الصاحبة والمصحوبه على هذا الحوار الذي يسمى جبر خواطر 🌹
سلمت وسلم وجودك 🥰