نتاج طين
تبدأ الحكاية منذ أن تُقبل طفلًا، وتُحمَل على الأيادي بعد تسعة أشهر قضيتها في رحم والدتك
حينها تغني العائلة احتفاءً بك، وتستقبلك الدنيا بأذرعها مع أسرتك.
وفي انتظارك الأصدقاء، والدراسة، والعمل، والأحلام، والأمنيات، وعالمٌ آخر يخصك وحدك، تصنعه بأفعالك وترسمه على جدارٍ يُسمى “العُمر”.
فيه تتعلّم وتُعلِّم، وتتأثّر وتُؤثّر، تبني وتهدم.
ومع مدّ وجزرِ مجرياتِ الأيام، تتّضح معالمُ السنواتِ مع كلّ خطوةٍ نمشيها نحو عالمٍ قائمٍ على ثباتِ التغيير، وممتلئٍ بتجاربَ نخوضها كلّ مرة، إمّا قسرًا أو رضًى.
و بعد عوامل تعرية حياتية نحن فيها بين خيار الهرب أو المواجهة نرى كيف جابهنا وخسرنا، ونلنا وظفرنا، ومرّاتٍ لا تُحصى، عاودنا المحاولات، ثم استسلمنا، نلحظ كيف يحظى المرء بشيءٍ من الجودة الشخصية أكثر من سابقتها.
ولا تأتي هذه الجماليات إلا كلما تقدمنا خطوة، وصعدنا درجة درجة في سلّم الحياة.
فصول التفاصيل
وبين هذه الخطوات، نلتقي بتفاصيل وأحداث تختلف بحسب الظروف المتباينة، والتي تقع مباغتة
منها ما يصافحنا ونعانقه، فيصفعنا ليوقظنا، ومنها ما يحنو علينا فنأمنه، ويحسن إلينا فيأسرنا، وهكذا تدور بنا فصولٌ ممتلئة بتفاصيل، شركاؤها: أنت، والناس، والسنوات، والمواقف، والأقدار.
تتضاعف أعمارنا في بضعة أشهر أو أيام، كلٌّ بحسب نوع عراكه مع أيامه، فيكسب ما يُسمّى بالخبرات، وينمو فيه الوعي على مهل، حتى يُصبح قادرًا على إهداء رسم خريطة تعليمية، نتاج ممارسةٍ عملية، نتشابه في بعضها ونختلف، إلا أننا نتفق على قول واحد تتهامس به أعيننا كلما التقت لواحظنا:
تعلمتُ من الحياة ما لم يعلّمني إياه أحد!
تلك المعرفة ينقسم فيها الناس إلى:
• من يودعها لآلئ بين جنبيه، تقيه كلما علت أمواج الحياة، مكتفيًا بسطوعها كلما أدجن نهار.
• وأناس ينسجون منها خيوطًا مضيئة على هيئة كلمة، أو قصة، أو بيت شعر، يسري مع هبات النسيم.
واعلم يا صديقي
أنّ بين كلّ عائلة، وفي كلّ منارةٍ علميّة، وبين سهلٍ وجبل، وعلى طرفِ الطريق، وفي صفوفِ مقاعد القطارات والمطارات، وبين زحام البشريّة…
في كل إنسان، وبطريقة ما، ينبت شيءٌ من حكمةٍ كامنةٍ إثر وجوده.
والآكد: أننا نلمح قلوبًا تتلفّت، باحثةً عن لافتةٍ تُرشد، أو كتابٍ يروي خلاصةَ تجاربٍ وعصارةَ حياة.
كتبت بين يديك ما التقطته من خريطة المهارات الحياتية، وبقي نقوشًا ارتسمت على ملامحي، وألوانًا امتزجت فيَّ بعد مخالطة مسارات لحيوات اجتماعية وعلمية.
لا أختلف فيها عن العامة، غير أن الكاتب يهوى أن يكتب من حبر تجاربه في صفحات أيامه، ويدوّن تأملاته بعين قارئة لمشاهد صامتة، وربما عابرة.
لذا… أشير إلى اللافتات التي التقيت بها على امتداد الطريق
نقطة البداية
بدأت منذ الميلاد، حين سرت فينا أوّلى النبضات بعد أن كنّا عدمًا.
فأذن الله بإيجادِنا من نُطفة، وهيّأ أحشاءَ الوالدات لتكون الكنفَ الأوّل، فاحتضنَتنا أجنّةً عاجزين، كافيا لنا الحياة كمًّا وكيفًا.
ثم جاء يومُ الخروج:
من الضيق إلى السَّعة، ومن العدم إلى الوجود، ومن العجز إلى القوّة، ومن الظلمة إلى النور، ومن الوحدة إلى الجماعة، ومن الجهل إلى العلم.
فترة الحمل
لم تكن قصيرة، ولم تكن دائمة.
كان الرَّحِمُ هو المأوى الوحيد، والغذاءُ نوعٌ واحد، يلائم المرحلةَ العُمريّة ومقام الإقامة.
في باكورة الأمر، كانت تلك مرحلةَ تهيئةٍ لحياةٍ لم تكن يومئذٍ مُتصوَّرةً في خاطرِ ذلك المولود.
وهذا هو الملمحُ الأوّل من خريطة الحياة
التغيير العامل الثابت
في لحظةٍ ما، أو بعد حادثةٍ، وربما في نهاية لقاءٍ قصير، أو بعد مرحلة مخاض لا يعلم عنها أحد سواك، تُصاب بالتغيير، ويُقال لك مستنكرًا:
“تغيّرت!”
تتغير الطباع، وتتبدل الأفكار، وتتطور العلاقات الاجتماعية.
وتختلف البيئات، وتتباين الحالة النفسية من وقتٍ لآخر، مما يربك النفس ويثير خوفها من التغيير.
من المسلَّمات: استمرارية التغيير الذي يطرأ على الإنسان؛ إذ يُعدّ طبيعة ملازمة للحياة، وجزءًا لا يتجزأ من وجوده، كفصول السنة، والظواهر الطبيعية اليومية.
لكل محطة في الحياة شخصيات تلائمها، ولكل مرحلة نسخة منك تتواءم معها، وتغيّرك هو دليل نموك.
الضابط: أن تكون أفضل مما كنت عليه في كل مرة
التغيير علامة على النماء الصحيّ فالماء الراكد يأسن، أما النهر العذب فيجري ويتجدّد.
كذلك النفس الإنسانية: حلاوة الأخلاق، وطراوة الطباع، وسماحة القلب، لا تحدث من تلقاء نفسها، بل تحتاج إلى نحّات ماهر، يبريها ويُظهر جمالها.
(هذا لا يشمل تغيير الثوابت الدينية)
الكَبَد في الدنيا أصلٌ ملازم
قال الله تعالى:
{ولقد خلقنا الإنسان في كبد} [البلد: 4]
هل هو لأحد دون الآخر؟
لا، بل جميعهم على هذه البسيطة يشتركون في ملاقاة كبد الحياة، ويختلفون في نوعه، أي: حتى أنا وأنت.
المعرفة بأن الحياة جُبلت على مشقة وألم، تهوّن عليك أنك لست وحدك، بل هي طبيعة الأمر.
فينصرف الذهن من مقاومته إلى تقبّله، والتعامل معه على أنه مرحلة مؤقتة مهما بلغ الأمر.
دوام الحال محال
قد يُغلَق عليك أمرٌ فتعمل بالأسباب فلا يُفتَح، أو تُبتلى بما يؤرِّق قلبك، وتدمع له عيناك، حتى تستحيل المخارج وتُوصَد الأبواب، وتتوالى الخسائر، وتشتد، ولا عزاء لك إلا أن يُصاحبك اليأس بفكرك.
ولكن اعلم أنّها لا تدوم، المصير الحتمي إلى الانجلاء والنور.
لو تأملنا تدرّج أوقات انبلاج الفجر، ثم توسط الشمس كبد السماء،ثم ميلانها على مهل… حتى يحلّ الشفق، والغسق، ويظهر النجم، ثم الظلمة.
كل ذلك لا يُقابَل برهبة أو استنكار، بل ثقة بانتهاء الظلمة
اكسب الخواطر واخسر المواقف
لا تأخذ الأمور دائمًا على محمل الجد، تغاضَ، تغافَل، تغابَ، تنازل.
قد تخسر نقاشًا، مقابل حفظ كرامة كبير،وتتنازل لبقاء ود، وترتدي الصمت كرامة لا حماقة، لأن خصمك صغير سن أو جاهل.
دورك أن تستمع وتبدي رأيك، فهذه وجهات نظر وحوار، والحقائق الثابتة تُظهر نفسها، ليس من المهم أن تغيّر أحدًا.
أنت بعلمك، وتجاوزك، ووعيك، وابتسامتك، ورفقك، تبقى في شغاف القلب وتُهذّب.
اللحظة الراهنة أثمن ما تملك
اللحظة الراهنة هي حيث أنت، لا حيث تظن أنك ينبغي أن تكون.
إنها وضعك الحالي، ظرفك الآني، واقعك كما هو الآن.
هذه الساعات التي تعيشها هي حياتك فعليًا، وهي أثمن ما تملك.
أنت هنا، ولست هناك، لست فيما فات، ولا فيما لم يأتِ بعد، أنت في “الآن”، حيث يكمن كل شيء.
أعرْ هذه اللحظة كلّ انتباهك، وتعامل معها كما لو أنّها كلُّ ما تملك – لأنها كذلك حقًا.
أنصِت للنور، وافتح عينيك على الجمال، تفاعل مع الأصوات، وابنِ على ما هو قائم أمامك.
استمتع، أو اهدأ، ولا تَهَبْ ما لم يحدث بعد، ولا تخشَ ما يتخيّله عقلك من سيناريوهاتٍ لم تقع.
أن تعرف شيئًا، وأن تعمل بما تعرفه
دورة حلّ المشكلات، ورشة عمل في فنّ التعامل، سلسلة فوائد مختصرة لضبط النفس،
مواد مرئية ومسموعة عن السنة النبوية لشرح الآداب، أهمية إدارة الوقت…
يتجلّى أمامنا كمٌّ هائل من الوفرة المعرفية، ويتطاول هاجس الامتلاء بالمهارات كجزء أساسي في حياة الفرد، وهذا جيد، بل ومن الرقيّ على المستوى الشخصي والمجتمعي.
ولكن: الثراء المعرفي لا قيمة له إذا لم يصقل فكرك، ويُنقِّ طباعك، ويُنمِّ سجاياك.
القيمة الحقيقية تظهر حين تصبح أفضل نسخة من نفسك السابقة.
نرى في سماء العلم من يُحلّق على أجنحة من الدراية والثقافة، متوشّحًا علومًا من مجالات عديدة، حتى أصبح فصيح اللسان ولكن على صعيد الواقع: أعجميّ الجوارح.
فيما يتاح لك من اختيارات
إذا كان اختيارك خطأ، تعلم وصحح
التخطيط + الاستمرارية
= عاملان للوصول إلى الأهداف
في الحياة العملية وضوح الرؤية(ماذا أريد؟)
+
المنهجية (تحديد نوع الاحتياج وتخصيص الجهد للعمل عليه)
= تحقيق الإنجاز بتميز
التركيز
سر احترافيتك في أي مجال
التخلي قوة
التخلي قوّة، حين يُمارَس بحكمة وفي موضعه الصحيح، فبعض التشبّث يُجرح ويُدمي،
وخسائره أعظم من مكاسبه
ليس كل تخلٍّ يعني جحودًا أو كبرياء، بل هو من أسمى مظاهر النضج.
ومما كُتب في هذا المعنى، تدوينة للدكتور خالد الدريس https://t.me/Dralderes/4761
الكمال والدنيا خطّان لا يلتقيان
لا تطلب الكمال، وتعلّم أن تقبل النقص في الناس، في الأحوال، وفي نفسك.
في الرأيين ما لا يكون في الرأي الواحد
الاستشارة نهج نبوي فاستشر الوجهة الصحيحة، وأهل الخبرة والاختصاص.
العلم ثبات وسيف من نور
يقاتل معك في معركة الحياة، ونورٌ يبدد ظلام الجهل: في الحياة، في العلاقات، وحتى في علاقتك بذاتك ينقلك من ضيق النفس إلى سعة الحياة.
في التعاملات
هناك فرق بين من تعرفه منذ سنوات، ومن تعاملت معه لسنوات.
من أراد فعل
نعم من أراد أتى، اعتذر، تدارك، صحح، اعطى، خلق المسافات المناسبة
مع الأقدار الإلهية تكمن مسؤوليتك في ردة فعلك وطريقة تعاملك مع القدر ومع نفسك، فليس من واجبك، بعد بذل السبب، أن تُحدّد كيف يقع القدر.
تأكّد كيفما جاء، فهو يلائمك، حتى وإن لم يرق لك.
أنت رق لما تعظِّم (في كل شيء)
أثمن ما تملك، وأعزّ ما تتمسّك به صلاتك، ثم سل الله دوام العافية.
ثلاثة لا تُبالغ فيها:
خوفك من المجهول، سعيك في مطلوب، رجاؤك في حصوله
دعها سماوية.
لا تشترط
ردّات الفعل، أشكال الاعتذار، تحقيق الأمنيات، أو طريقة التعامل.
قف بين المرونة وتقبّل الاختلاف
القرآن احتياج، لا خيار
في الحديث:“فإنَّ هذا القرآنَ سببٌ طرفُه بيدِ اللهِ وطرفُه بأيديكم، فتمسّكوا به، فإنكم لن تضلّوا ولن تهلكوا بعده أبدًا.”
بمثابة “مضاد حيوي”.
الذكر: الطاقة اليومية
الذكر هو الطاقة اليومية للإنجازات بكل أنواعها، وهو غُسْل للكسل والتشاؤم.
الدروس والخبرات
هناك دروس تُكتسب بالتجارب، وأخرى لا تأتي إلا بعد مرور سنوات محددة، مهما حاولت استعجالها.
ودروس لا تتعلمها إلا بالأقدار، يُعلّمك إياها الله، رغمًا عنك.
هذه نتاج طينٍ اختلط بمواقف الحياة، وكلي ثقة أن لدى كل قارئ منكم ما هوَ أكثرُ جمالا وحكمة
سررت بقراءتكم
كتبته/ أحلام الشريف
1447-2025